
ولفت إلى اننا " نتطلع في مدينة صيدا، إلى مزيد من الاهتمام الرسمي بالمدينة، والمزيد من الاضاءة على قيمتها التاريخية، وخصوصا أن المدينة على ابواب الانتهاء من الكثير من المشاريع السياحية الحيوية ولا سيما المتحف الذي نقف على بعد عشرات الأمتار منه. ونتطلع الى مزيد من الاهتمام الرسمي لانه سيكون ذا انعكاس كبير على الحركة السياحية في لبنان بشكل عام، وعلى المدينة طبعا بشكل خاص".
واضاف: "لبنان كله على هذا المثال: أرض للحضارات ممر ومستقر منذ فجر الاجتماع البشري، وللثقافات ملتقى ومرتقى على ترامي العصور. مدائن زرعت عند هذا الشاطئ، وعلى الجبال وفي الداخل الفسيح، وأوت إليها الشعوب من شرق وغرب، متفاعلة مع أهلها، في الفكر والإيمان والمعيشة والتجارة، والسلام والصراع والانكسارات والفتوحات، تفاعل أخذ وعطاء، حتى أصبح هذا الفضاء اللبناني المصهر الأول في التاريخ للتعدد الثقافي والتبادل الحضاري البناء.
وما الصرح الذي نفتتحه اليوم إلا صورة حية عن هذه الحقيقة التي عاشتها مدينة راقية تعبق بالتاريخ والحضارات. صيدا العزيزة التي أنشأها الفينيقيون منذ ما قبل الميلاد بقرون كانت درة في تاج كنعان قرب أخواتها المدن التي امتدت ممالكها من أرواد شمالا حتى عسقلان جنوبا. ومنها انطلقت قوافل في البر والبحر بكل اتجاه، حاملة صنائع فينيقيا ومنتوجاتها وأخشاب الأرز من جبال لبنان الشماء إلى الشرق وراء بلاد ما بين النهرين وفارس، وإلى مصر وآسيا الصغرى وبلاد الإغريق والرومان، وسائر موانئ البحر المتوسط، وصولا إلى شواطئ أميركا، بحسب بعض الدراسات، قبل كريستوفر كولومبوس بثلاثة آلاف عام. وتغنت بصيدا القصائد كما فعل صاحب الإلياذة أومير، ولأهميتها وارتفاع شأنها أطلق الكتاب المقدس لقب الصيدانيين على الشعب الفينيقي بأسره. هذه المدينة تداولتها الحضارات الشرقية والغربية في العصر القديم، حتى جاء العرب فحفروا حضارتهم في الروح واللسان قبل الحجر، وظلت صيدا على تعاقب أحوالها تعتنق القيم الإنسانية والدينية والحضارية السامية، وتحتضن بالمحبة كل لاجئ ومحتاج، وتبذل أزكى دماء أبنائها من رؤساء وقضاة وقادة ومناضلين في سبيل عزة الوطن وسيادته وحمايته وانتصار قضاياه".
وتابع: "اليوم ندخل بوابة الجنوب لإفتتاح هذا المعلم التاريخي الأثري الذي يعود بناؤه إلى العهود الفينيقية الأولى، وإن سمته بعض الكتب مرة قلعة القديس لويس ملك فرنسا وقائد الحملة الصليبية السابعة، ومرة أخرى قلعة المعز لدين الله الخليفة الفاطمي. فإن ما قام به هذان لا يعدو تشييد برج هنا أو ترميم سور هناك، والقلعة أقدم عهدا من كليهما كما تثبت الدراسات التاريخية الموثوقة، وتدل عليه الآثار الباقيات. ولأن التاريخ يعيد نفسه، كما يقال، فإن هذا المعلم التاريخي الأثري الذي بناه الرومان دلالة على استراتيجية موقع هذه المدينة وأهميتها الاقتصادية والعسكرية، يبعث اليوم مجددا إلى النور في أبهى حلة بفضل الدعم الذي قدمته الدولة الإيطالية مشكورة، فكأن روما تعود إلينا في هذا اليوم من بوابة البناء لإحياء ما بيننا من تراث مشترك".
وقال: "لقد أعيد تأهيل هذه القلعة وتدعيمها بإشراف المديرية العامة للآثار، وبالتعاون والتنسيق مع مجلس الانماء والإعمار، وأنشئ لها مدخل ذو مسارات سياحية، ورممت صالة في داخلها خصصت معرضا للقى الأثرية المستخرجة من حفريات الموقع، بغرض إبراز القلعة البرية بمعالمها التاريخية وسراديبها الدفينة، ما يؤدي كما نرتجي إلى تنشيط الحركة الثقافية والسياحية في هذا المكان، مع واجب المحافظة على إرثنا الثقافي كنزا للأجيال المقبلة".
وأضاف: "قلعة صيدا البرية التي استعادت نضارة عمرها الطاعن في هذا التراب، رصيفة مثيلاتها من الآثار العريقة كخان الإفرنج، ومتحف الصابون وقصر دبانة المشيد على الطراز العثماني، والسوق بأزقته التاريخية. والقلعة البحرية الرابضة في حضن الموج، كلها عناوين عزة لا تشيخ، وشواهد على صمود مدينة غلبت عوادي الدهر، وهزمت قوى الشر الهاجمة عليها من بر أو بحر".
وقدم الشكر والامتنان الى الحكومة الايطالية "للجهد الكبير والعمل الرائع الذي قامت به لإحياء هذا الإرث الروماني الفينيقي المشترك، وبالأخص سعادة السفيرة نيكوليتا بومباردييري وأعضاء السفارة الإيطالية للاهتمام الخاص والعمل الشخصي الدؤوب الذي أظهروه في متابعة أعمال الترميم، وللدعم الثقافي الذي تقدمه الدولة الإيطالية إلى لبنان".